طفلك في العاشرة </FONT>
أ. هاني العبد القادر
حديثنا التالي عن مرحلة هامة هي سن العاشرة، سن العاشرة هي السن التي أمرك فيها حبيبك محمد _صلى الله عليه وسلم_ أن تلزم فيها أولادك بالصلاة، في سن العاشرة يطلب ابنك المكانة الأسرية والاعتراف بقيمته حالياً بأساليب سلمية، وتتغير هذه الأساليب مدة مراهقته إذا لم تتجاوب معها، كان في التاسعة يهيئ ذاته وأسرته لإشباع حاجته للاستقلال الفكري والاجتماعي القادم في مرحلة المراهقة.
الآن في سن العاشرة يهيئ ذاته وأسرته لإشباع حاجة عميقة أخرى من حاجات المراهقة هي الحاجة للمكانة الأسرية، الحاجة للثقة والتقدير والاعتراف بقيمته كل جنس بما يلائمه، الولد يحتاج لتقدير سمات الرجولة الناشئة في أعماقه وإن ما ظهرت في شكله كقدراته البدنية وتحمله المسؤولية وحمايته للأسرة ورعايته لها وقيمة رأيه وقراره ورغم أهمية ثنائكم على هذه السمات إلا أن ما يشعر بالقبول الحقيقي هو ثقتك فيه واعتمادك عليه، البنت أيضاً تحتاج وبشكل كبير جداً إلى تقدير سمات الأنوثة الناشئة عندها كجمالها الأخاذ وأناقتها الفريدة وذوقها الرفيع ورقة إحساسها وحنانها على الجميع ومع حاجتها الماسة جداً لثنائكم على كل هذا فإنما يشعرها بقبولها الحقيقي أن تشعروها بحبكم لها وبشكل دائم لا يكاد ينقطع، ثناؤكم الدائم وحبكم غير المشروط في غاية الأهمية ويحميها من البحث عنه خارج المنزل مدة مراهقتها.
يسعى ابن العاشرة لنيل مكانته في أسرته والحصول على ثقتهم وتقديرهم بالأساليب السلمية بالسلوك الذي يجتهد أن يكون جيداً، وكما يريده الوالدان سيحرص على طاعتك ورضاك وإعجابك أملاً في المكانة الجيدة المترتبة على هذه الطاعات والرضا والإعجاب ولذلك هذه المرحلة مرحلة ذهبية هذه مرحلة الاستجابة والطاعة والقرب من الوالدين.
ابن العاشرة يهتم كثيراً بكلمتكم وتؤثر فيه أكثر من الاهتمام أو الأثر الذي تتوقعونه أو تعودتم عليه، كلمتكم عنده قانون من القوانين في كل شيء حتى في نظرته لنفسه، يريد منا أن ننظر له نظرة جديدة وهو يستحق ذلك فعلاً ما الذي سيحصل بعد سنوات قليلة إذا لم ينتبه الوالدان لهذا الأمر ولم يشبعا حاجاته على المدى البعيد ليستنتج بتجربته الطويلة أن السلوك الذي حاول أن يكون مثالياً في الأسرة لا يؤدي إلى شيء يذكر من إشباع حاجته للتقدير والثقة والمكانة الأسرية يعني ما يوكل عيش.
فإذا أضفنا لهذا طبيعة المراهقة أدركنا أنا على وشك الانتقال من المسالمة التي جربها وما جابت نتيجة إلى الانفجار والصدام والتمرد رغم حبه الشديد والصادق واحترامه العميق والحقيقي لك وإن أوحت الصدامات بخلاف ذلك ليس فقط يبدأ في صدامات وتمرد بل سيتوجه أيضاً للمجتمع الخارجي لتحقيق الاعتراف بوجوده وإرادته وقيمته ولو كلفه ذلك الوقوع في السرقة أو المخدرات أو التفحيط وغير هذا، يطلب الاعتراف بشجاعته ومهارته ويطلب تحقيق المكانة في الشلة بعد ما يئس منها في الأسرة، وهذه آثار عدم إشباع حاجته للثقة والتقدير والمكانة على المدى البعيد أما على المدى القريب فسيضعف شعوره بالتوازن والأمن والطمأنينة ويصبح ابن العاشرة عصبياً أكثر وقلقاً وتبدأ تظهر عليه مظاهر مثل أحلام اليقظة والغيرة من إخوانه، وقد يصبح نماماً ينم على إخوانه أو غيرهم لعله يلفت النظر بذلك إلى ميزاته هو من خلال الإشارة لأخطاء إخوانه أو يحصل على مكانه من خلال نقل الكلام لمن يهتم بسماعه أتأكد أولاً أنني قد تجنبت أنا شخصياً النميمة، وأنني لا أمثل قدوة سيئة له وأتوجه بالعتب على نفسي وإن لم أقع في هذا الخلق فأنا مَن ألجأته إلى النميمة وعليّ أن أعالج جذور المشكلة التي غرستها بإهمالي، أشبع حاجاته من جديد وأريحه وأعيد إليه شعوره المفقود بالتوازن والتقدير والطمأنينة، هذا ما أفعله على المدى البعيد أما التعامل المباشر مع النميمة عند الطفل سواء في هذا السن أو في الأعمار المبكرة أنك ترفض يا أخي وترفضين يا أختي سماع هذا النوع من الكلام، واسألي الولد بلطف يا ولدي أنا طلبت منك تقول لي أخطاء الناس أو أنا طلبت منك تنقل لي الكلام الذي سمعته من ضيوف أبيك وحتى لو طلبت منك يجوز تقول لي! ما يجوز، معليش يا ولدي أنا آسفة أنا صحيح أحبك، ومع هذا ما أحب أبداً تنقل الكلام لا لي ولا لغيري ثم وجّهي عتابك الداخلي لنفسك وليس له.
أخي الكريم وأختي الكريمة وفري على نفسك معالجة ظاهرة النميمة والجهد الكبير بعد ذلك في التعامل مع صور التمرد المتعبة والمصائب التي قد يقع بها مدة مراهقته من خلال حسن تعاملك مع احتياجاته، واسأل نفسك ما الذي يدعو ولدك مستقبلاً لمزيد من الثوران والهيجان والصدامات وأنت قد بدأت إشباع حاجاته مبكراً؟ ما الذي يدعو بنتك مستقبلاً أختي الكريمة لمزيد من القلق والاضطراب والمتاعب وأنت قد بدأتِ إشباع حاجاتها مبكراً وركّزتِ على هذا السن، سن العاشرة، هذه المرحلة الذهبية مرحلة الطاعة والاستجابة والقرب من الوالدين وسبحان الله الخالق الحكيم هذه المرحلة وما يتصف فيها الناشئ من طاعة وامتثال وما فيها من رابط نفسي قوي بينه وبين والديه، كأن هذه المرحلة تأمين للعلاقة من اهتزازات المرحلة القادمة وكأنها ربط لحزام السلامة قبل الانطلاق في رحلة المراهقة، وسبحان الله هذا الرابط النفسي القوي بين الأب وابنه في سن العاشرة يجعلنا نتعرف على جزء محتمل من الحكمة الشرعية في كون سن العاشرة هو سن الإلزام بالصلاة والضرب عليها في السن التي يكون فيها في أعلى مستويات طاعة الوالدين مما يجعل احتمالات امتناع الولد عن الصلاة وضربها عليها من الاحتمالات القليلة وإن حصلت فلن يكون لها أثر سلبي يُذكر فسبحان الله الخالق الحكيم اللطيف الخبير سبحانك ربي ما أجلّ حكمتك وما ألطفك بخلقك وما أرحمك بالوالد وما ولد.
هذا التدبير الإلهي العظيم في أمر الآباء والأمهات بضرب أولادهم على الصلاة وفي هذا التوقيت من عمر الطفل ما هو إلا للاحتياط لأنهم لن يكونا في حاجة للضرب عليها أصلاً إلا إذا كانا كسولين قصراً هم شخصياً في محافظتهما على الصلاة وقصرا في تنشئة أولادهما على الصلاة ولم يلتزما بوصية رسول الله _صلى الله عليه وسلم_"مروا صبيانكم بالصلاة لسبع" ولو فعلا حقاً لكانت دورة تدريبية عملية على الصلاة مدتها ثلاث سنوات يصلي الطفل خلالها 5475 فريضة أي 18615 ركعة، هذا ونحن لم نحسب السنن والنوافل ألا تتأصل بذلك هذه العبادة العظيمة عبادة الصلاة بعد هذا الرقم الكبير 5475 فريضة ما يعادل 18615 ركعة ستصبح بعدها الصلاة أهم جزء من حياة الناشئ لا يحتاج بعدها للضرب أصلاً وفي أسوأ الأحوال صارت عادة ثابتة من عاداته وإلا فالأمر يختلف كثيراً إذا نجح الوالدان بتوفيق الله ثم بحكمتهما وإخلاصهما إلى جعل أولادهما يتلذذون بها، ثم تأمل كيف كان البدء في التدريب على الصلاة قبل التوقيت المتوقع للبلوغ بكثير بفترة تكفي لتكون أهم وأعظم جانب في حياته قبل أن يصل سن البلوغ وحتى قبل المراهقة المبكرة التي تسبق البلوغ بكثير ليس فقط لأنه سيحاسب عليها بعد بلوغه، هذا طبعاً أمر عظيم وخطير وهو الأصل لا شك بل أيضاً لأن المراهق يصارع أمواج المراهقة وحده يواجه صعوباتها ويتلقى ضرباتها ويحيى تغيراتها ويحتمل قلقها وضغطها الهائل الذي لا يتصوره من حوله لذلك يحتاج كثيراً للصلاة واللجوء إلى الله حاجة من تهيج به أمواج البحار.
أيها الآباء والأمهات ارحموا أنفسكم وعيالكم وربّوا أولادكم على الصلاة، صلاة المراهق هي طوق نجاته، بعض الآباء والأمهات يقذفون بضناهم في بحر المراهقة بلا طوق نجاة أي قلب ميت عند هؤلاء وأذكرك يا من تتمنى أن يكون أولادك من أهل الصلاة والصف الأول وتكره أن ترى منهم تهاوناً في إقامتها، أذكّرك أن أولادك يرغبون في تقليد أفعالك أكثر من طاعة أقوالك في هذا الجانب وغيره، ابدأ بنفسك وتأمل الدعاء القرآني العظيم "رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ" (إبراهيم:40)، حرصك على صلاتك أنتقبل حرصك على صلاة عيالك، أفعالك رسائل مستترة توجهها لأبنائك، ليس فقط في صلاتك، لا أبداً بل في كل حياتك، ضع جهدك وهمّك في مواجهة عدوك الحقيقي في سبيل تربية فلذات كبدك، عدوك الحقيقي هي تلك المساحة الفاصلة بين أقوالك وأفعالك.
إخواني وأخواتي.. اقتربنا معكم من نهاية هذا اللقاء الذي تحدثنا خلاله عن المراحل العمرية بدأناها بابن السنتين، ثم السيد (لا) ابن السنتين ونصف، ثم جامع القاموس ابن الثالثة، ثم توقفنا عند القَلِق الخائف ابن الثالثة والنصف، ثم المتمرد العنيد ابن الرابعة، ثم الفيلسوف الصغير ابن الرابعة والنصف، ثم تحدثنا عن مرحلة التوازن والهدوء في الخامسة، ثم التقلب وحب الذات في السادسة، ثم المراحل الثلاث مرحلة التأمل والعزلة في السابعة، والتجربة والمغامرة في الثامنة، والإتقان في التاسعة وما في هذا السن سن التاسعة من بداية الاستقلال الفكري والاجتماعي، ثم انتقلنا معكم للحديث عن مرحلة طلب المكانة الأسرية بالأساليب السلمية وذلك في سن العشر سنوات عرضنا سمات المراحل والأساليب العملية للتعامل مع الظواهر المرافقة للنمو سواء قدرات وطاقات أو سلوكيات تزعج الوالدين عادةً، وسبحان الله الخالق العظيم القائل في كتابه الكريم: "وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً" (نوح:14)، ولعل جزءاً محتملاً من معاني هذه الآية الكريمة تأملناه خلال رحلتنا التي سعدنا بصحبتكم فيها.
خلاصة هذه الرحلة ما يلي:
لابنك وبنتك تغيرات نفسية وسلوكية متوقعة تحدث بانتظام، تغيرات متعاقبة مختلفة انتظرها واكتشفها وتفهمها وتقبلها وكيّف أساليبك التربوية معها، هذه خلاصة هذا اللقاء.
أرجو من الله العلي العظيم بمنّه وكرمه أن يكون لقاؤنا قد حقّق هدفه، وهدف لقائنا أن تلاحظ تغيرات أولادك وتتعامل معها بكفاءة وراحة أكبر.
أخي القارئ وأختي القارئة.. ربما كنت خلال هذه الرحلة تقارن طفلك مع الوصف الوارد لعمره في هذه المادة، وهي في الواقع ليست مهمتك الحقيقية، مهمتك أن تقارن طفلك مع ذاته مع ما كان عليه في الماضي وما يمكن أن يكون عليه في المستقبل، وعلى كاهلك وحدك تقع مهمة من أشق مهام الأبوة والأمومة وهي أن تكتشف وتقدّر شخصية طفلك الفريدة التي وهبها الله خصيصاً له، ثم مهمة شاقة أخرى تنتظرك وهي أن تعرف المحيط الذي يحتاجه طفلك في كل مرحلة قدر الإمكان ثم تحيطه به ولا أحد يطلب منك أيها الأب الكريم وأيتها الأم الكريمة أن تحيط ابنك بمحيط مثالي مئة بالمئة ولا أن تكون أباً كاملاً أو أماً كاملة فلا وجود لهذا الأب ولهذه الأم فلا تجلد ذاتك لتقصيرك مع أولادك وطالما اتفقنا على أنك لن تكون كاملاً أبداً فعليك أن تقبل أيضاً أن طفلك لن يكون كاملاً أبداً هو الآخر فاقبل بطفل جيد ولكنه ليس كاملاً.
إخواني وأخواتي.. أطفالكم في حاجة ماسة لكم ولكل تعديل إيجابي في تربيتكم كيف لا وأنتم هبة الله الكبرى لهم وليس لهم بعد الله غيركم، أسأل الله _تعالى_ أن يغفر لكم أيها الآباء والأمهات، وأن يغفر لي ولأمي وأبي، وأن يبدّل سيئاتهم حسنات، رب ارحمهما كما ربياني صغيراً، اللهم أطلق لساني بالدعاء لهما وجوارحي في برّهما، وأذقني لذة التذلل عند قدميهما، اللهم اجمعني بهم وبزوجتي أم علي وذريتي في الفردوس الأعلى من الجنة وبالمؤمنين عامة ومَن أمّن على دعائي خاصة.